“اطلب العلم من المهد إلى اللحد”خيار السويد الاستراتيجي
أمران في السويد مرفوضان: الخمول والجهل، لذلك تجد القوانين والتشريعات والقرارات الحكومية جميعها تتجه نحو تقليب الصخرة التي يستمرأ تحت ظلها بعض الأفراد الخمول والدعة والاكتفاء بالتعليم القاصر المحدود.
ففي السويد، هذه الدولة التي بالكاد يقترب عدد سكانها من 11 مليون نسمة، يوجد بها 50 جامعة وكلية، و175 مدرسة لمواصلة التعليم العالي لكبار السن في عدد من التخصصات، إضافةً إلى المئات من المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، والآلاف من الحضانات ومراكز ما قبل التعليم الأساسي، إضافة إلى العديد من المدارس المهنية لما بعد الدراسة الثانوية.
إن السويد لا تنظر إلى التعليم حقاً دستورياً فقط، بل تجاوزت في نظرتها له إلى اعتباره مكوناً أساسياً من كيان الشخص ووجوده، فكما لا تعليم بدون حياة، أيضاً لا حياة بدون تعليم، ولذلك وفرت الدولة العديد من التسهيلات والتحفيزات للطلاب ولأولياء أمورهم كي يستمر الطالب في التحصيل العلمي، وفي المقابل دأبت سلطات الشؤون الاجتماعية إلى اعتبار منع الأطفال من التعليم جريمة ذات عواقب مشددة، تصل حد انتزاع الطفل من آبائه البيولوجيين وتكفل الدولة به، ذلك أن الحرمان من التعليم في نظر الدولة السويدية هو في القبح كالحرمان من الحياة.
ثم إن التعليم في السويد يستند على معايير عالمية متقدمة تضمن تحقيق أعلى درجات الجودة، سواء من حيث التزامها بالمعايير الدولية، أو من حيث مواءمتها لمتطلبات واشتراطات سوق الشغل، وخصوصاً ما تعلق منها بالتخصصات المعاصرة والدقيقة، كما وفرت الدولة لهذا القطاع الحيوي كافة العناصر والوسائل الداعمة من القوى البشرية المؤهلة، والبنى التحتية القوية، ومراكز البحوث والدراسات، والمنح والتسهيلات، والنقل والمواصلات، والإسكان الطلابي المناسب، إضافةً إلى العديد من التحفيزات والتسهيلات التي تصل إلى درجة تشجيع الفرد على ترك عمله البسيط واستكمال التعليم بغرض تطوير مهاراته وضمان مواكبتها لمتطلبات العصر، ولا اعتبار في هذا الشأن لتأخر السن أو تجاوزه، ما دام لدى الشخص الرغبة في تطوير قدراته، ففي هذه الحالة تكون الجهة الأكثر ترحيباً لهذا الاختيار الشخصي هي: الدولة!
ولذلك لا عجب أن تدخل إلى مدرجات الكليات، وتجد الطالب الذي يحاذيك في المقعد شيخاً قد تجاوز السبعين من عمره وهو لا يزال يحمل حقيبته الدراسية! كما لا عجب أن تجد السويد وقد تبوأت المراكز العالمية المتقدمة في مجال براءة الاختراعات العلمية والطبية والتقنية والصناعية والبيئية.
ختاماً، إذا كانت جملة “اطلب العلم من المهد إلى اللحد” ينظر إليها في العديد من دول العالم على أنها مقولةٌ إنشائيةٌ، فإنها في السويد برنامج الدولة الاستراتيجي والوجودي.
بقلم: د. ادريس أجمي
رئيس التحرير