رأي ومقالات

ساعة الحقيقة داخل الاتحاد الإفريقي: ضرورة إنهاء عبء “البوليساريو” ومواكبة الشرعية الدولية

ساعة الحقيقة داخل الاتحاد الإفريقي: ضرورة إنهاء عبء “البوليساريو” ومواكبة الشرعية الدولية

مقال رأي: مريم المزوق

تحول دولي يدفع الاتحاد نحو التطهير السياسي وتصحيح مسار وحدته
تعيش القارة الإفريقية اليوم لحظة مفصلية في تاريخها السياسي والدبلوماسي، أمام توالي الاعترافات الدولية بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. هذا التحول الكبير، الذي رسخ مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي ونهائي للنزاع الإقليمي، يضع الاتحاد الإفريقي أمام مسؤولية تاريخية لتصحيح أحد أبرز أخطاء الماضي: استمرار عضوية كيان “البوليساريو”.

لقد أكدت دول وازنة في المجتمع الدولي، من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإسبانيا إلى بريطانيا والبرتغال وبلجيكا والدنمارك وفنلندا وغيرها، دعمها الواضح لمبادرة الحكم الذاتي. وتُوّج هذا المسار الدبلوماسي بقرار مجلس الأمن رقم 2797 الصادر في 31 أكتوبر الماضي، الذي رسّخ الاعتراف بمغربية الصحراء في إطار حل سياسي يقوم على الواقعية والتوافق.
أمام هذا الإجماع الدولي، يبرز سؤال ملح داخل أروقة الاتحاد الإفريقي: هل ما زال من المقبول استمرار عضوية كيان لا تتوفر فيه مقومات الدولة ولا يحظى بأي اعتراف أممي؟

عبء يتناقض مع ميثاق الاتحاد

إن وجود ما يُسمى بـ”الجمهورية الصحراوية” داخل الاتحاد الإفريقي يمثل اليوم تناقضًا صارخًا مع مبادئ المنظمة نفسها. فالبوليساريو ليست دولة قائمة بالمعنى القانوني، بل مجرد حركة انفصالية تتخذ من أراضي دولة عضو (الجزائر) قاعدة لها في مواجهة دولة عضو أخرى (المغرب).

هذا الوضع الشاذ يجعل الاتحاد في مواجهة مباشرة مع ميثاقه، الذي ينص صراحة على احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها. كما أن العضوية الممنوحة لكيان لا وجود له في الأمم المتحدة تضع الاتحاد الإفريقي في موقع يتنافى مع الشرعية الدولية. فكيف يمكن لمنظمة إقليمية كبرى أن تضم في صفوفها كياناً لا تعترف به الأمم المتحدة نفسها، ولا تتوفر فيه شروط الدولة من أرض وسكان وسلطة حقيقية؟

العديد من المواقف السابقة كشفت عمق الإحراج الذي يسببه هذا الكيان للاتحاد في تعامله مع شركائه الدوليين. فخلال القمم المشتركة بين إفريقيا وشركائها—كالقمة الصينية الإفريقية أو اليابانية أو الأمريكية—ترفض هذه الدول التعامل مع ممثلي البوليساريو أو استضافتهم، لأنها لا تتعامل إلا مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
هذا التنافر الداخلي يُظهر أن استمرار الكيان داخل المنظمة لا يضيف شيئًا لإفريقيا، بل يُربك علاقاتها مع الشركاء الاقتصاديين والسياسيين، ويهدد مصداقية الاتحاد. فضلاً عن أن وجود كيان يرفع شعار الحرب ويهدد بالسلاح يناقض تمامًا جوهر العمل الإفريقي المشترك ومبادرات “إسكات البنادق” والسلم والأمن في القارة.

تراجع الاعتراف وتصحيح تاريخي وشيك

لم يعد كيان البوليساريو يحظى إلا بدعم قلة قليلة من الدول الإفريقية، لا تتجاوز 16 دولة، مقابل 38 دولة إفريقية سحبت أو جمدت اعترافها به. ومع صدور قرار مجلس الأمن الأخير 2797، فقد الكيان آخر مبررات وجوده داخل الاتحاد، إذ لم يعد ثمة سند قانوني أو سياسي لاستمرار هذه العضوية الشكلية.
اليوم، لم يعد أمام الاتحاد الإفريقي سوى خيار واحد لضمان مصداقيته: تصحيح المسار. ويمكن ذلك عبر تفعيل المادة 32 من الميثاق، التي تسمح بتعديل شروط العضوية لتشمل فقط الدول المعترف بها في الأمم المتحدة.

إن إزالة هذا الجسم الغريب من داخل المنظمة ستكون بمثابة لحظة تطهير سياسي تُعيد للاتحاد هيبته ووحدته، وتؤكد أن “إفريقيا الجديدة” ليست تلك التي كانت تُدار بمنطق الصراعات الوهمية. لقد آن الأوان للاتحاد الإفريقي أن يتحرر من عبء الماضي، ويثبت للعالم أن إفريقيا قادرة على تصحيح أخطائها بنفسها، تحت عنوان: “إفريقيا اليوم ليست إفريقيا الأمس”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!